الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
1982 - مَسْأَلَةٌ: الْخُلْعُ، وَهُوَ: الأَفْتِدَاءُ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، فَخَافَتْ أَنْ لاَ تُوفِيَهُ حَقَّهُ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يُبْغِضَهَا فَلاَ يُوفِيهَا حَقَّهَا، فَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَيُطَلِّقَهَا، إنْ رَضِيَ هُوَ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ هُوَ، وَلاَ أُجْبِرَتْ هِيَ إنَّمَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلاَ يَحِلُّ الأَفْتِدَاءُ إِلاَّ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، وَيَبْطُلُ طَلاَقُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهَا فَقَطْ. وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُ، وَهُوَ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ، إِلاَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلاَثًا، أَوْ آخِرَ ثَلاَثٍ، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ. فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ جَازَ ذَلِكَ أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَيْهَا. وَيَجُوزُ الْفِدَاءُ بِخِدْمَةٍ مَحْدُودَةٍ، وَلاَ يَجُوزُ بِمَالٍ مَجْهُولٍ، لَكِنْ بِمَعْرُوفٍ مَحْدُودٍ، مَرْئِيٍّ، مَعْلُومٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ. قال أبو محمد: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخُلْعِ فَلَمْ تُجِزْهُ طَائِفَةٌ، وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَجَازُوهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ طَلاَقٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ طَلاَقًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ: إنَّهُ طَلاَقٌ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا قلنا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بَائِنٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِمَا أَصْدَقَهَا، لاَ بِأَكْثَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ مَعَ خَوْفِ نُشُوزِهِ وَإِعْرَاضِهِ، أَوْ أَنْ لاَ تُقِيمَ مَعَهُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ بِأَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلاً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ بِأَنْ تَقُولَ: لاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ الْفَاسِدِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنَفَّذُ وَيَتِمُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرَدُّ وَيُفْسَخُ: فأما مَنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ سَأَلْت بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ الْخُلْعِ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قُلْت: فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا: بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا الْمَخْزُومِيُّ هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ. قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قال أبو محمد: فَسَقَطَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ أَنْ نَحْتَجَّ بِذَلِكَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الأَوَّلُ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُلْعِ، لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى السَّائِلَةِ الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ وَهَكَذَا نَقُولُ وَلَيْسَ فِي الْبَأْسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُخَافَ أَلَّا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجَةِ. وَأَمَّا الآيَتَانِ فَلَيْسَتَا بِمُتَعَارِضَتَيْنِ، إنَّمَا فِي الَّتِي نَزَعَ بِهَا " بَكْرٌ " تَحْرِيمُ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا إثْمًا مُبِينًا وَبُهْتَانًا وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا نَهْيٌ عَنْ الْخُلْعِ أَصْلاً. وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ، وَرَبِيعٍ، هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ كِلاَهُمَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لاَ يَكُونُ خُلْعٌ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ عَتِيقٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: كَانُوا يَقُولُونَ: لاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ إِلاَّ عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لاَ يَكُونُ الْخُلْعُ إِلاَّ حَتَّى يَعِظَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ يَرْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى السُّلْطَانِ مَا يَسْمَعُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ. قال أبو محمد: وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ عَلَى تَصْحِيحِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْخُلْعُ لَيْسَ طَلاَقًا، فَاحْتَجَّ بِمَا، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَنَنْتَقِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَنَنْتَقِلُ، وَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لَهَا، وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَعُثْمَانُ أَخْبَرُنَا وَأَعْلَمُنَا. فَهَذَا عُثْمَانُ، وَالرُّبَيِّعُ وَلَهَا صُحْبَةٌ وَعَمُّهَا وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ لاَ يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْخُلْعُ: تَفْرِيقٌ، وَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ سَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، أَيَنْكِحُهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلاَقَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ وَفِي آخِرِهَا، وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس قَالَ: كَانَ أَبِي لاَ يَرَى الْفِدَاءَ طَلاَقًا وَيُجِيزُهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا أَجَازَهُ الْمَرْءُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: رَأَيْت أَبِي كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُمْهَانَ أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَ ذَلِكَ وَقَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا، فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لاَ تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً إِلاَّ فِي فِدْيَةٍ أَوْ إيلاَءٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. قال أبو محمد: أَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلاَقَ، ثُمَّ الْخُلْعَ، ثُمَّ الطَّلاَقَ فَنَعَمْ، هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ طَلاَقًا، وَلاَ أَنَّهُ طَلاَقٌ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَنَظَرَنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّةِ، فَذَكَرَتْ اخْتِلاَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِثَابِتٍ: خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنِي شَاذَانُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ فَذَكَرَتْ اخْتِلاَعَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْهُ، وَأَنَّ أَخَاهُ شَكَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اخْتَلَعَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ زَوْجِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً، قَالُوا: فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا، لَكِنَّهُ فَسْخٌ قال أبو محمد: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَسَاقِطٌ، لأََنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا خَبَرُ الرُّبَيِّعِ وَحَبِيبَةَ فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً. لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ، وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ [ وَالزِّيَادَةُ ] لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَإِذْ هُوَ طَلاَقٌ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ، فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لاَ يَجُوزُ لَهُمْ الأَحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ، لأََنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا خَالَفَ الصَّاحِبُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ ضَعْفِهِ، كَمَا فَعَلُوا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وهذا الخبر لَمْ يَأْتِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلاَقًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، إنَّمَا هُوَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلنا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا هَلْ الْخُلْعُ طَلاَقٌ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: كَانَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولاَنِ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا: يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَخَالَفَ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفِدَاءِ: لاَ يُحْسَبُ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لاَ يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ اخْتَلَعَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ، فَإِنَّهُ لاَ يُحْسَبُ شَيْئًا، قَالاَ جَمِيعًا: أَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنَّمَا طَلَّقَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَعَمَ ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفِدَاءِ جَازَ. وقال أبو حنيفة: هُوَ طَلاَقٌ بَائِنٌ وَيَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وقال مالك، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ طَلاَقٌ بَائِنٌ، وَلاَ يَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ :، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: إنْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلْيَرْدُدْ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلْيُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لاَ يُرَاجِعُهَا إِلاَّ بِخِطْبَةٍ قال أبو محمد: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الطَّلاَقِ، وَأَنَّ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وَقَالَ: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَلاَ يَجُوزُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلاَقًا بَائِنًا لاَ رَجْعَةَ فِيهِ، إِلاَّ الثَّلاَثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، أَوْ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَلاَ مَزِيدَ وَأَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَآرَاءٌ لاَ حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا رَدُّهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ لِئَلَّا تَكُونَ فِي عِصْمَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَهَا مُرَادُهَا فَمَالُهَا الَّذِي لَمْ تُعْطِهِ إِلاَّ لِذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَيْهَا، إِلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا، فَتَرْضَى، فَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِدَاءُ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يَجُوزُ الْفِدَاءُ إِلاَّ بِمَا أَصْدَقَهَا لاَ بِأَكْثَرَ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ، لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ لَيْثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالاَ :، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءٌ: إنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى صَدَاقِهَا، فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ إلَيْهَا وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ نَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ الْقُضَاةُ لاَ تُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إِلاَّ مَا سَاقَ إلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فِدَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لاَ أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يَدَعَ لَهَا مَا يُغْنِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَأْخُذُ مِنْهَا كُلَّ مَا مَعَهَا فَمَا دُونَ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ امْرَأَةً نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَرَفَعَهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلاَةٌ لأَمْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ لَهَا حَتَّى مِنْ نُقْبَتِهَا وَصَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وقال أبو حنيفة: لاَ يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ الزِّيَادَةَ. قال أبو محمد: احْتَجَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُبْغِضُ زَوْجِي وَأُحِبُّ فِرَاقَهُ قَالَ: فَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً مِنْ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا زِيَادَةٌ مِنْ مَالِكِ فَلاَ، وَلَكِنْ الْحَدِيقَةَ، قَالَتْ: نَعَمْ فَقَضَى عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ. وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قال أبو محمد: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ فَسَقَطَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي فَوَجَدْنَا: مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَسَقَطَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. وَلَمْ نَجِدْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُتَعَلَّقًا أَصْلاً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو أَخْذُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَعْطَاهَا فِي صَدَاقِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَوَاجِبٌ رَدُّهُ إلَيْهَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِالصَّدَقَةِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَالأَسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِكَلاَمٍ سَاقِطٍ مُتَنَاقِضٍ، مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ إِلاَّ رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِعُمُومِ قوله تعالى: قال أبو محمد: نَعَمْ، لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا، إِلاَّ أَنْ تَطِيبَ نَفْسُهَا بِهِ ثُمَّ حُكْمٌ آخَرُ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ عُمُومٌ لاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ. وقال بعضهم: مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ . فَقُلْنَا: لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ كُلَّ مَا أَعْطَاهَا أَوْ بَعْضَ مَا أَعْطَاهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مُسَرِّحٍ بِإِحْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذَهُ، فَهُوَ مُسَرِّحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ قَتْلَهَا لَكَانَ مُحْسِنًا فِي ذَلِكَ. فإن قيل: أَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِمَا لاَ يَبْقَى لِنَفْسِهِ غِنًى بَعْدَهُ، وَمِنْ أَنْ يَصَّدَّقَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَتُبِيحُونَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا كُلَّهُ قلنا: إنَّمَا نَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّدَقَةِ إِلاَّ بِمَا أَبْقَى غِنًى، وَبِأَنْ لاَ يُصْدِقَهَا إزَارَهُ إذْ لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ، وَجَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ فَوَقَفْنَا عِنْدَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْتَرِضْ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّأْيِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْفِدَاءُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلاَبَةَ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فَجَرَتْ فَاطَّلَعَ زَوْجُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلْيَضْرِبْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ مَعْنًى لَهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: إنَّ أَبَا قِلاَبَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَا يَقُولاَنِ: لاَ يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلاً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قال أبو محمد: هَذَا فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْبُيُوتِ مِنْ الْعِدَّةِ، لاَ فِي الْخُلْعِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ سَأَلَ الْحَسَنَ عَمَّنْ رَأَى امْرَأَتَهُ يُقَبِّلُهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ قَالَ: قَدْ حَلَّ أَنْ يَخْلَعَهَا. رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، وَلاَ يَصِحُّ يَطِيبُ الْخُلْعُ لِلرَّجُلِ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لاَ أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلاَ أُكْرِمُ لَك نَفْسًا فِيهَا إسْرَائِيلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى: يَحِلُّ خُلْعُ الْمَرْأَةِ ثَلاَثًا إذَا أَفْسَدَتْ عَلَيْك ذَاتَ يَدِك، أَوْ دَعَوْتهَا لِتَسْكُنَ إلَيْهَا فَأَبَتْ، أَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ الأَصْفَرُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ لاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لاَ يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى لاَ تَغْتَسِلَ لَهُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلاَ تُطِيعُ لَهُ أَمْرًا، وَلاَ تَبَرُّ لَهُ قَسَمًا، وَقَالَ الآخَرُ: لَوْ فَعَلَتْ هَذَا كَفَرَتْ، وَلَكِنْ حَتَّى تَقُولَ: لاَ أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلاَ أُطِيعُ لَك أَمْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْخُلْعُ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ وَكُلُّ هَذَا لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْفِدْيَةِ حَتَّى يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، أَنْ تُظْهِرَ لَهُ الْبَغْضَاءَ، وَتُسِيءَ عِشْرَتَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ فِي الْخُلْعِ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ: لاَ يَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ: لاَ أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. قال أبو محمد: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وقال الشافعي: الْخُلْعُ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمَا نُشُوزًا، وَلاَ إعْرَاضًا، وَلاَ خَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّهُ قَوْلٌ بِلاَ برهان. وَأَمَّا الْخُلْعُ الْفَاسِدُ فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ: وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، وَكَيْفَ يَجُوزُ عَمَلٌ فَاسِدٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وقال أبو حنيفة: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُضَارٌّ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ، وَجَازَ لَهُ مَا أَخَذَ. قال أبو محمد: فِي هَذَا الْقَوْلِ عَجَبٌ، لَئِنْ كَانَ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَمَا يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ: أَنَّهُ لِيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَمَا عَدَا هَذَا فَوَسَاوِسُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ: لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَةٌ، لأََنَّهُ إنْ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ وَجَبَ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الطَّلاَقِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا مِنْ الطَّلاَقِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ، لأََنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ طَلاَقًا مُطْلَقًا، بَلْ طَلاَقًا بِعِوَضٍ، لَوْلاَهُ لَمْ يُطَلِّقْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلاَ يَرْجِعُ إلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إِلاَّ بِرِضَاهَا وَهَذَا خَطَأٌ، لأََنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ لَهُ لاَزِمًا، فَاَلَّذِي أَخَذَ لَهُ مِلْكٌ، إِلاَّ إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ طَلاَقَ الْخُلْعِ طَلاَقٌ رَجْعِيٌّ فَقَدْ قلنا: إذَا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ الَّذِي لَمْ يُعْقَدْ الطَّلاَقُ إِلاَّ عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ الطَّلاَقُ الَّذِي لاَ وُقُوعَ لَهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُطَلِّقِ لِمَا أَخَذَ عِوَضًا مِنْ الطَّلاَقِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مُطَاوِعَةً فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَمَالُهَا لَهَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ فَتَذْهَبَ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي بُطْلاَنِ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَقَوْلُ طَاوُوس هُوَ الْحَقُّ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ أَخَذَ فِدَاءَهَا، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ رَجَعَ إلَيْهَا مَالُهَا وَرَجَعَتْ إلَيْهِ، وَلَمْ تَذْهَبْ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا وَهَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي هُوَ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَهَا، وَلاَ تَدْرِيهِ هِيَ، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَكُلُّ طَلاَقٍ لَمْ يَصِحَّ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلاً وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُهُمْ فِي خِلاَفِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَقُلْنَا: نَعَمْ، عُمُومٌ لِمَا يَحِلُّ عَقْدُهُ وَمِلْكُهُ لاَ لِلْحَرَامِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ زَوْجَتِهِ بِأَنْ يَزْنِيَ بِهَا مَتَى أَرَادَ، وَبِزِقِّ خَمْرٍ وَيَصِحُّ لَهُ مِلْكُهُ، وَبِأَنْ لاَ يُصَلِّيَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَالْخُلْعُ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ جَائِزٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قوله تعالى: وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا صَحِيحًا لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِسْكَانُهَا فِي الْعِدَّةِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ ثَلاَثَةً مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، وَلاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَلِلْمُخَالِفِينَ هَاهُنَا أَقْوَالٌ طَرِيفَةٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لاَ يَبْرَأُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ. قَالَ: فَإِنْ بَارَأَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ جَمِيعُ حُقُوقِهَا الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ خَاصَّةً كَالصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَهُوَ لَهَا، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. قَالَ: وَلاَ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَتِهَا وَإِسْكَانِهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى مُدَّةَ عِدَّتِهَا بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ السُّكْنَى. قال أبو محمد: إيرَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ يُغْنِي مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وقال مالك: إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، فَلَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ. وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ ظُلْمٌ صُرَاحٌ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ لَمْ تُسْقِطْهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ أَلْفَ دِينَارٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِدِينَارٍ، وَلاَ يُسْقِطُونَ عَنْهُ بِذَلِكَ دِرْهَمًا اسْتَقْرَضَتْهُ مِنْهُ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيك بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ الْمَجْنُونَةِ، وَلاَ عَنْ الصَّغِيرَةِ أَبٌ، وَلاَ غَيْرُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلاَ يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ تُبْرِيَهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا أَوْ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْقَدْرِ، وَقَدْ يَزِيدُ السِّعْرُ وَقَدْ يَنْقُصُ، وَلأََنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بَعْدُ، فَمُخَالَعَتُهَا بِمَا لاَ تَمْلِكُهُ بَاطِلٌ وَظُلْمٌ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تُخَالِعَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ النِّكَاحِ بِثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، وَبِزَرْعٍ لَمْ يُسَنْبِلْ وَهُوَ يُجِيزُ الْخُلْعَ عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَلاَ يَرَى لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
|